هجرة الأرواح العاشقة

النوارس الراقدة على الشاطىء

والفريسة القابعة بين فكي المفترس

وأتعس الفئران المتخفية في المخزن

والعشق الذائب في قلبي

هم في حالة الآنا سيان

كليل يقتفي درب فجر شتوي

معلق في أعلى سارية غيمة راكدة

في السماء تقتفي أثر ريح بوثبات تحفر عمقا

في سطح صخرا هرب الغبار منه

في عصف إعصار ترك السطوح والأعماق قاحلة

تئن تناجي روحا متسللة خفية في رهبة فوضى

سادت المكان

عودي أيا سكونا فارق الجماد

المتلعثم أمام أجراس الأنعتاق

في أماسي ملحمة الانهزام على أرض وطن أصم

غائر اللسان في كهف القمة الخاوية

من أي انتصار

يعزف

أغنية

على أنقاض أطلال جنادل مترهلة

رمتها زوبعة شوق الانصهار من على صهوة الجلمود

تتعثر بزغب رمال منثورة بجوار أحصنة الديدان

الزاحفة بألم على بقايا زجاج مكسور

أسفل قارعة الطريق

سير نحو الأزلية

في اصفرار أوراق الخريف


وعبر أوردتها القاحلة


سأمضي منحني الظهر أستنشق عطر الأزلية


بين أخاديدها الذابلة


لن تغريني نسمات الشتاء بالبقاء


إنما سترتقي بي إلى


الدرك الأسفل من العبث


ماض أنا


لن يرهبني انحنائي


لن يخيفني تكويري


فليس للريح أن تزيد من تدحرجي


على أعتاب النهاية


فأنا قوي


حتى في انحنائي


لن أتحدث

لن أفكر


فقمة القاع


تلوح في الأفق


يكفيني الانتصار


في معركة هزيمتي

كفاك يا قلب

كل له قلب يأويه

إلا أنا

قلبي محطمٌ مهشمٌ

يعاني الضنا

كان الزمان وكنا

صبية نلهو

نغني ونلعب

تحت ظلال شجرة توت

أوراقها تعانق السما

نترع كأس الود كل صباح

لنفرغها في أبراج حصوننا


كحارس يصد كل عدوا دنا

غارت الأيام

وانحسر الزمان

واليوم

أنا وقلبي

نسير في درب سوا

كل يعاتب الآخر

على حبٌ مضى


كفاك يا قلب

ما نفع اللوم والعتاب يوما

بعد حكم القضا


استيقظ من سباتك

واجمع شظاياك

ولملم بقاياك

وعش اليوم

بقصيدة حلم

وأنشودة أمل

حروفها معتقة في جرة حب عذراء

ما مسها إنس ولا جان

ننهل منها الود

ونعزف على قيثارتها لحنا

يطرب أوصالنا

و يراقص أنفاسنا

في زحمة حزن قد اكتسى

الممالكة

آه ً يا قلب

أتذكر يا قلب

رحلتنا في نفق الألم

عندما ألتحفتك وتوسدت رأسي

وعلقت عيناي في الخواء

ومددت يدي على لوح المدية

أتحسس الراحة في سنها

أتذكر تلك الآمال الرخامية الناصعة البياض

كم تلوثت ونحن نشنق الوقت

أتذكر عندما حاولت مسحها بيدي

أنفض عنها غبار اليأس

لكن يدي خانتني

أتذكر ذلك اليوم

عندما قشرنا لحاء السعادة

وحرقنا نسغها على جمر الوقت

ألا تشم رائحتها تفوح من المكان للآن


أتذكر مزنة الدموع

و المزاريب المتناثرة أسفل العين

كم عانت الملوحة والعطش

أتذكر مسيرنا في زقاقها ذهابا وإيابا

أتذكر باب منزلهم كم كان جميلا

حتى الجدران كانت جميلة

بل حتى حتى تلك العتبة التي لم أجرأ اجتيازها

كانت جميلة

أتذكر في ذلك اليوم الربيعي عندما

سارت في ذاك الطريق الترابي

أتذكر كم كان جميلا

أنه أجمل أثر رأيته

أجمل تراب قبلته

أغرب موقف عشته

(يا أرضا سارت عليها أقدامها

يا لسعدك تمنيت للحظات أن أبادلك الأدوار)


بالله عليك يا قلب

دعني أذهب مرة أخرى لذاك المكان

أتأمل أجمل مسرى

أطول مسرى

أقصر مسرى

رأيته

كم تمنيت لو عانقته

وفي كل يوما ألتحفته

وذاك الهواء النقي تنفسته

آه ً يا قلب لو عادت بي الأيام

لمزقت القدر وصهرته

واقتربت من بابها وطرقته

ومسكت يدها وقبلته

واعتصرت خدها وفي كأس شفتي ذوبته

ومددت يدي في شعرها ومشطته

لكان الآن أجمل يوما عشته

وكان الآن أروع يوما تذكرته

ولكن هيهات أن تعود الأيام يوما

فلك يا قلب أن تعود لقبرك

وتنعم بما هو ليس لغيرك

( الموت )

(النهاية كانت في البداية )